السبت، 19 نوفمبر 2016

الصراع السني الشيعي إلى أين (2)

قراءة تاريخية في ذكرى مرور 500 سنة على معركة مرج دابق
كنت قد كتبت في الفصل الأول من هذا المقال مشهد معركة مرج دابق 24 آب 1516 الذي يصادف مرور 500 عام عليه، وهو يوم بالغ الأهمية وقد كرس شتاتنا وشرادنا، وأدخلنا في مشهد من الثأر والثأر المضاد منذ خمسمئة عام.
والأحداث التي نرويها هنا هي محض قراءة من الماضي على الرغم من التشابه الشديد بالواقع، وهو ما يعني أننا نكاد ندور في حلقة مفرغة من الكارثة ولم نبدأ بعد درب الخلاص.
كان انتصار السلطان سليم على الصفويين في معركة جالديران 1514 حدثاً بالغ الأهمية ولكنه في الواقع لم يخرج من إطاره العسكري الحربي ولم ينجز شيئاً نحو نزع فتيل الكراهية، واستمر الصفويون في مشروعهم بعد أن جلله ركام من الحقد والثار.
أما الشارع الشامي فقد كان ساخطاً من سلوك حكامه #المماليك، ولم ير فيهم إلا متواطئين على إذلاله وإفقاره، خاصة أن الجيش المملوكي الرسمي كانت تغلب عليه قيادات طائفية لا تضمر الخير للغالبية السنية في #سوريا، وتتنافس في كسب ود الدولة الصفوية بوصفها الحامي الرسمي للمشروع الشيعي والقوة القادرة على وضع حد للطموح العثماني.
وفي مقابل ذلك توالت القيادات السنية في سوريا في التواصل مع العثمانيين بوصفهم مشروع الخلافة الجديد، ووصل الى استانبول كثير من زعماء الشام وحلب ووجهائها، أما والي عنتاب فقد أعلن رسميا انشقاقه عن الحكم المملوكي في الشام ولحق بالعثمانيين.
وهكذا أصبح المشهد واضحاً في بلاد الشام فالصفويون لهم مشروعهم والعثمانيون لهم مشروعهم، وقد بطش العثمانيون بالصفويين في معركة جالديران واجتاحوا عاصمتهم تبريز ولكنهم لم يستطيعوا أن يقضوا على المشروع الصفوي وأطلقت إيران حشداً شعبياً هائلاً من #بغداد ور#الكوفة و #النجف لقتال النواصب وارتكب الجميع أبشع أشكال العنف الطائفي.
كان أمام قانصوه الغوري الحاكم المملوكي أن يختار، فلم يعد بالإمكان أن يزعم صداقة الطرفين، وكان السفراء لا يتوقفون عن التوافد إليه من العثمانيين ومن الصفويين، وفي النهاية خضع قانصوه الغوري لضغط العسكر الشامي الذي كان في غالبه من مسلحي #الشيعة الذين حشدهم والي حمص جان بردى الغزالي وكذلك حاكما صفد والشوف، فيما كانت تسميه إيران الصفوية الحلف المقاوم للدفاع عن الأقصى والحرمين، وأصبح هناك جيش يزيد عن عشرين ألف مقاتل يتلقون تسليحاً مباشراً من إيران وكلهم على أتم الاستعداد لقتال العثمانيين ومنع وصولهم إلى الداخل السوري.
ونظراً لخطورة الموقف فقد خرج السلطان المملوكي نفسه من مصر إلى الشام وعين مكانه طومان باي وكانت الحشود الشيعية المتتالية تتآزر في دربه وطريقه لقتال العثمانيين في الشمال الحلبي.
كانت قراءة السلطان في الواقع قاصرة وساذجة وبهره بريق السيوف في يد العسكر من حلفاء الصفويين ولم ينتبه إلى حجم الغضب الهادر الذي كان يلف بلاد الشام من استهتار حكامه وعجزهم وانجرافهم في سياق الحشد الطائفي، فقد كانت الغالبية من الشعب لا تؤمن بهذا النزاع الطائفي وكانت ترى أن مشروع الحلف المقاوم كذبة تريد بها إيران الصفوية التسلط على بلاد الشام وخاصة فلسطين ولبنان، وخلال أشهر ارتفعت الأصوات المطالبة بوقف التدخل الإيراني الصفوي ووقف الحرب ضد العثمانيين، ولكن السلطان مضى إلى النهاية المحتومة محاطاً بجنده الذين تلقوا دعماً صفوياً وفيهم كثرة غالبة من العلوية البكتاشية من كيليكيا واسكندرون واللاذقية والشيعة في الجنوب اللبناني، إلى أن وصل إلى مرج دابق مطلع شهر آب 1516.
كان المشهد في غاية الرعب والقلق، وكان الشقاق جلياً وواضحاً بين القادة العسكريين وبين الجند، وحين اندلع القتال في 24 آب انشق الجيش مباشرة نصفين وأعلن خاير بك والي حلب انشقاقه إلى الجانب العثماني وتبعه القاضي يونس، ودار لغط كبير حول دور والي حمص جان بردى، فيما ثبت السلطان قانصوه ومعه والي دمشق سيبتاي وكذلك القادة العسكريون الذين كانوا يراهنون على تدخل صفوي إنقاذي، ولكن الحرب جرت في غير ما توقعوه وانتصر السلطان سليم انتصاراً ساحقا وقتل قانصوه الغوري ولم يعرف له جثة ولا قبر ودخل السلطان العثماني إلى حلب وحماه والشام دون مقاومة تذكر.
وبعد خمسة أشهر يناير 1517 كانت الدولة المملوكية تلفظ أنفاسها الأخيرة في معركة الريدانية التي فتحت أبواب مصر أمام العثمانيين وأنهت الدولة المملوكية إلى الأبد.
ليست غايتي سرد التفاصيل التاريخية ولكنني أشعر بأسى أننا نروي التاريخ مبتهجين بانتصارات سنابك الخيل دون أن نفكر فيما تتركه تلك الحروب على الأجيال الآتية، وقناعتي أن الأمر الأكثر خطورة أن هذه الحروب لم تكن لتنهي شيئاً من المعاناة وكانت تنتهي عادة بالثأر والانتقام والجرح الغائرة ويهرب الممتنعون إلى الجبال ينتظرون ظروفاً أخرى للانقضاض على الجماعة من جديد.
إنها تقريباً القصة المتكررة في التاريخ الاسلامي منذ أن كانت خلافاً عائلياً بين أمية وعبد مناف إلى أن صارت نزاعاً هاشمياً أموياً، انتهى بنصر العباسي على الأموي ونبش قبورهم واستئصال شأفتهم، ولكن ذلك لم ينفع في نهاية المأساة حيث استمرت القلوب تبيت على الضغائن، وبعد قرن من الحكم العباسي القوي يحكم البويهيون قرناً كاملاً يمارسون اضطهادا منظما ضد السنة، ثم يحكم السلاجقة قرناً كاملاً يمارسون اضطهاداً منظماً ضد الشيعة، ثم تقوم الدولة الفاطمية في الشمال الافريقي وتمتد إلى مصر والشام وتبلغ العراق نفسه بوقود طائفي غضب يبطش به في النهاية صلاح الدين الأيوبي، ليبدأ عصر سني أيوبي ثم مملوكي ليظهر من جديد المشروع الصفوي في إيران ويمتد الى العراق ويهدد بلاد الشام.
مع قيام الثورة الإيرانية تعود المشاعر الطائفية من جديد على أشدها، وتنفجر الحرب العراقية الإيرانية ثم تنجلي عن انهيار كامل في #العراق يطلق ألوية طائفية دموية تقاتل ضد ما تصفه بأنه النواصب، ويظهر في مقابل المشرع الشيعي مشروع ناصبي متطرف تقوده القاعدة ثم #داعش يحمل فتاوى تكفير الروافض ويجعلها قبلة جهاده وغاية تضحياته.
تبدو المسالة قصة كراهية متراكمة لا تزداد مع الأيام إلا جاهلية وعنفاً.
المسألة في رأيي هي أن السلاح أعمى وأن الحسم العسكري لا يأتي بأي خير، وأن المنتصرين دائما كانوا يمارسون غرائزهم ولا يقضون على أسباب الشقاق.
قناعتي أنه كان على حكماء الإسلام معالجة هذه الجروح التاريخية الغائرة، كان عليهم أن يخرجوا إلى جبالهم ومعاقلهم ويعيدوا بناء الأخوة والمواطنة على قدم من المساواة والإخاء، وأن يتعلموا درس الأمم الخالية، وأنه لا تزر وازرة وزر أخرى، وأنه ما من حسابك عليهم من شيء، وما من حسابهم عليك من شيء، وأنها أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبت ولا تسئلون عما كانوا يعملون.
ما حصل تاريخياً في الحروب الصفوية العثمانية كان عكس ذلك تماماً، وكان انكفاء المغلوب يلازمه بطش الغالب وتحقيره وتسفيهه، وتداول الفتاوى المقيتة التي تكرس الكراهية والحقد عبر الأجيال انتقاماً من الماضي ووعيداً بالمستقبل.
ولو أوتي المنتصرون الحكمة والبصيرة لأدركوا أنه ما من تمرد إلا وفيه سبب من ضمير، وما من تضحية إلا ولها قناعاتها التي حملت باذليها على زهق أرواحهم في سبيلها، صواباً أو خطأ، وكان على المنتصر احترام بسالة خصومه وتقدير شجاعتهم ومنحهم الفرصة للعيش الكريم، على قاعدة الرسول الكريم: “اذهبوا فأنتم الطلقاء”.
لم يحصل في تاريخ النزاع المذهبي شيء من ذلك، لقد كان المنتصر دوماً ينكل بالمهزوم، ويمارس بعد النصر أبشع أشكال الانتقام فتنام القلوب غائرة على الكراهية والحقد تنتظر الفرصة للثأر المتبادل والثورة المضادة.
العباسيون نكلوا بكل أثر أموي وقتلوا أطفالهم ونساءهم وصبيانهم ونبشوا قبورهم، وحين أعلن الصفويون دولتهم في إيران قتلوا عشرات الآلاف من السنة المتمردين عليهم وفي الوقت نفسه فإن السلطان سليم قتل أربعين ألفاً من الشيعة في جنوب #تركيا لأنهم جواسيس محتملون للصفويين، وذلك وفق المصادر الرسمية للدولة العلية العثمانية، وحين انتصر في مرج دابق كان على جبال الساحل والشوف وجبل عامل أن تواجه حملات متتالية من العثمانيين لاضطهادهم والانتقام منهم بعد وقوفهم إلى جانب المشروع الصفوي الإيراني، وخلال مائة عام هاجرت آلاف العوائل اللبنانية من جبل عامل إلى إيران وقامت بدور مركزي في نشر التشيع على أساس من الإعداد لليوم الفاصل وللمعركة القادمة المرتقبة مع النواصب.
من المؤسف أن نكون في هذا القرن الحادي والعشرين نكرر المآسي إياها التي مارسها آباؤنا وأجدادنا في سياق البغي والانقلاب والأحقاد المتوارثة دون أن نتعلم من درس التاريخ شيئاً.
أما القرآن الكريم فقد حسم ذلك كله بنص تكرر مرتين في صفحة واحدة: “تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسئلون عما كانوا يعملون”.
ربما كان الاستثناء الوحيد من هذا التاريخ الأسود في نظري هو الدور الحكيم الذي قام به تحديداً الخليفة العباسي الناصر لدين الله والذي حافظ فيه على إخاء سني شيعي استمر نحو ثلاثمائة عام، حيث أعلن مع توليه الخلافة عام 575 هجرية 1180 ميلادية أنه يعترف بالطائفتين الكريمتين السنة والشيعة وبكل شعائرهما وطقوسهما ومراقدهما وكان يقوم بنفسه ببناء الحسينيات والمراقد ومنح تربة الامام الكاظم عصمة للائذين به، كما بنى عدداً من مساجد الحنابلة ببغداد وأعلن أن لا يفرق بين سني وشيعي حتى اختار الناس فيه أكان سنياً أم شيعياً ولكنه على كل حال حقق أكبر نجاح في الإخاء الوطني ونجح في توفير ثلاثمائة عام قادمة لم يسمع فيها بأي صراع حقيقي بين السنة والشيعة.

الصراع السني الشيعي إلى أين؟ (1)










في ذكرى مرور 500 عام على معركة مرج دابق
اليوم بالضبط هو 24 آب هو ذكرى مرور 500 سنة على المعركة التاريخية الفاصلة #مرج_دابق التي رسمت صورة الوطن العربي لأربعة قرون.. ولا تزال…
وسيصدم القارئ الكريم وهو يتابع التفاصيل، وسيبدو له أننا نقدم تقريراً إخبارياً مباشراً من الساحات الساخنة في الشمال السوري في حين أننا نروي أحداثاً حصلت قبل 500 عام….
إننا نكرر التاريخ.. نكرره ولا نتعلم منه!!!
ومرج دابق قرية سورية تقع إلى الشمال من #حلب إلى جوار بلدة #مارع وتشكل مع #اعزاز و #تل رفعت مثلثاً متوازي الأضلاع، وهي بلدة صغيرة الحجم ولكنها بالغة التأثير في التاريخ، فقد وردت نصاً في صحيح مسلم:  “لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق أو بدابق فيخرج إليهم جيش من المدينة، من خيار أهل الأرض ….” في تفاصيل طويلة لا تختلف في شيء عن الأشراط الكثيرة الواردة في شأن الساعة، ولكن ورودها في صحيح مسلم يمنحها مكانة مختلفة لدى المحدثين.
وقد اختارت # داعش اسم دابق عنواناً على صحيفتها الرسمية التي تصدرها، كما اختارت اسم أعماق عنواناً على وكالة الانباء الخاصة بها في إرماز بالغ الوضوح لما تعنيه هذه البلدة من أهمية تاريخية واستشرافية لجيش داعش ومشروعه الرهيب، ولا تزال صيحات مقاتلي داعش تتردد: “دابق موعدنا أيها الروافض….”.
معركتان فاصلتان في مطلع القرن السادس عشر لا تزال آثارهما حاكمة فاصلة إلى يومنا هذا، معركة #جالديران 1514 التي وصل فيها السلطان سليم إلى تبريز عاصمة الصفويين ودمرها بلا هوادة، ثم معركة مرج دابق 1516 التي انتصر فيها العثمانيون على الحكام المماليك الذين كانوا يحكمون #الشام و #مصر بقيادة قانصوه الغوري.
وأجد ذكرى المعركة مناسبة ضرورية للحديث عن واقعنا المأساوي في هذا المجتمع المتصدع والذي يزداد يوماً بعد يوم غرقاً في مستنقع الطائفية البغيضة على أساس أنها جوهر الصراع، وأنه لا حل للصراع إلا باستئصال إحدى الطائفتين، وهو ما أعتبره أكبر انحراف أخلاقي وفكري يجب على كل من يحب سوريا أن يواجهه بدليل العقل والنقل والحكمة، وأن يرفض تحوله إلى قدر لازب يكرس الكراهية والبغضاء.
منذ خمسمئة عام تحددت المنطقة أحواضاً أربعة: الحوض التركي وهو حاضنة السنة، والحوض الإيراني وهو حاضنة الشيعة، وحوض بلاد الشام والعراق وهو أغلبية سنية وأقلية شيعية  60/40، وحوض جزيرة العرب ويبلغ السنة والشيعة فيه 70/30،
وحتى لا أغرق في الأرقام فأنا أقدم معلومات تقريبية، وهي الأرقام ذاتها السائدة في الإحصائيات المختلفة ولا مانع عندي أن تتغير النسبة عشرة أو حتى عشرين بالمائة فستظل الدلالة واحدة وهي أننا نعيش معاً سنة وشيعة وأن لا سبيل لاستئصال أي من الطائفتين.
كان قيام الدولة الصفوية في #تبريز عام 1500حدثاً غير عادي، وقد أنهى ثلاثة قرون من العيش المشترك الذي أرساه الناصر لدين الله العباسي، وقد أعلن الصفويون مشروعاً دامياً لقيام دولة شيعية مذهبية، وتم ارتكاب سلسلة من المذابح المريرة ضد سنة إيران والعراق لقيام هذا الكيان المذهبي، ولا شك أن تبرير هذه المجازر كان يأتي في سياق الشعارات الدامية التي لا زلنا نسمعها منذ ثلاثة عشر قرناً: يا لثارات الحسين وهيهات منا الذلة وكل أرض عاشوراء وكل يوم كربلاء، إلى آخر الصيحات العصابية التي لا تزال مركباً للحقد التاريخي يعبر به الجيل الى الجيل، وهو في جوهره كفرٌ بأهم رسالة جاء بها الحسن والحسين عليهما نور الله وسلامه.
أدرك العثمانيون خطورة المشروع الصفوي، وقام السلطان سليم الأول بعقد هدنة مع الأوربيين، وانصرف قافلاً إلى حدوده الشرقية للمواجهة مع الصفويين الذين كانوا قد ابتلعوا العراق وجانباً من الجزيرة السورية والشرق الأناضولي، وخاض معركة جالدرين الضارية قرب تبريز وتمكن بالفعل من انتصار ساحق واجتاح عاصمة الصفويين تبريز، وضرب فيها بيد من حديد قبل أن يعود أدراجه إلى #استانبول.
ولكن اجتياحه تبريز لم يكن كافياً لوقف قيام الدولة الصفوية، وقد ندم السلطان سليم على خروجه من تبريز وقام بتصفية القادة الذين أشاروا إليه بالعودة إلى استانبول، ونكل بالأسرى الذين أسرهم من تبريز، وكان فيهم زوجة السلطان اسماعيل الصفوي تاج الخوانم نهروزة، وحين أرسل إليه الشاه اسماعيل وفداً بهدايا قيمة يسأله الافراج عن وزجته قتل الرسل ودفع بها سبية لأحد كاتبيه إمعانا في إذلاله.
إنها سلوكيات انتقام كانت تؤدي عكس ما يحتاجه الناس من الوفاق والمصالحة وتعيد غرس الكراهية والأحقاد جذعة في ضمائر الناس جيلاً بعد جيل تنتظر أن تعود من جديد.
ومضى الصفويون في مشروعهم وقد اكتسى مزيداً من الحقد والكراهية، وبدا الصفويون يرسلون التهديد تلو التهديد لأهل الشام بوصفهم أحفاد #يزيد، وكانوا يتوعدون الشام بمصير كمصير العراق، وكانوا يكررون ما كرروه في العراق من واجب الدفاع عن المراقد وأن لا تسبى زينب مرتين ويا لثارات الحسين، وقتال يزيد العصر، كل هذه الشعارات كان يطلقها الصفويون الذين وجدوا في الواقع من يردد شعاراتهم على طول جبال الساحل السوري من لواء اسكندرون إلى صفد، فقد كانت هذه الجبال معاقل تقليدية لكل أولئك الذين فروا من الحكومات الأيوبية والمملوكية المتعاقبة التي حكمت بعد الحمدانيين والفاطميين، حيث بقيت ملفاتهم معلقة كانقلابيين محتملين يحلمون بالعودة الى الحكم الشيعي، ولم يقم عقلاء الإسلام بما يكفي لإنهاء هذا الملف وإدخال الناس إلى عالم المصالحة والمساواة والإخاء.
الشعب السوري كان يشعر بالغضب من سلوك حكامه المماليك الذين انصرفوا لمصالحهم الخاصة وتركوا هذا الشعب يتكبد العناء والشقاء أمام الفساد المتغول، وكانت إيران الصفوية تعدهم بأنها قادمة وكان حلفاؤها من أبناء المذهب والطائفة يتراسلون ويتواصلون مع المنقذ الإيراني، وكانت إيران تبرر بناء هذه التحالفات بقيام حلف مقاوم لمحاربة الغربيين الصليبيين البرتغال الذين كانوا يحيطون بشواطئ جزيرة العرب الجنوبية ويتوعدون بغزو الحرمين والمسجد الأقصى، وبذلك كانت توطئ لدخولها إلى الشام واليمن تحت عنوان بناء حلف مقاوم يبدأ هلاله من طهران إلى #صفد التي كانت عاصمة الجنوب اللبناني الحالي وجبل عامل.
إنها مأساة التاريخ المتقابلة، منتصرون ومهزومون، مظاهر انتقام وقهر تنام فيها الجروح الغائرة، تنكأ كل يوم، ولا نفعل ما ينبغي لوقف حمى الكراهية، ونتصرف غرائزياً تاركين نار الحقد الطامي تغذي الكراهية كل يوم.
علينا أن نعترف أننا جميعاً ارتكبنا خلال التاريخ مذابح الانتقام المتقابلة، ومن العار أن ندرس التاريخ على أنه علاقة بين قديسين ومجرمين، وملائكة شياطين، وضحايا وجلادين، يجب أن ننتهي من هذه القسمة المريضة التي تؤجل خصاماتنا وتغذيها بثقافة الكراهية، يوماً بعد يوم، حتى تنفجر ذات يوم أسود بكل أحقاد التاريخ.
إننا نكرر الخطأ إياه، نقاتل الآخر بوصفه محض شيطان ليس فيه أثر من ضمير، ونكرس أنفسنا أنقياء طاهرين، ولكننا لا نفعل شيئاً لإزالة شيطان الكراهية الذي يسكن في الصدور.
فمتى يدرك أهلنا من الشيعة في العراق ولبنان أن النمط الصفوي كان نمطاً مؤذياً للوجود الشيعي وأنه لا يعبر عن الأماني البريئة التي تسطن قلوب المحبين لأهل البيت رمز المحبة والسلام؟
ومتى يدرك الدواعش والنواصب ومن يسير في فلكهم أن الانتقام والبطش ليس سبيلاً لإنهاء أي علاقة كراهية وأنه لا يزيد عن صب الزيت على النار وإطفاء النار بالنار.أتوقف هنا وأرجو أن أتمكن من إضاءة المزيد من الحقائق في الفصل الثاني من هذا المقال.

معركة مرج دابق

مرج دابق 
هو اسم معركة قامت في 8 أغسطس 1516 بين العثمانيين والمماليك قرب حلب في سوريا، قاد العثمانيين السلطان سليم الأول وقاد المماليك قانصوه الغوري. تمزق جيش المماليك بسبب الخيانة.


ساءت العلاقة بين العثمانيين والمماليك، وفشلت محاولات الغوري في عقد الصلح مع السلطان العثماني "سليم الأول" وإبرام المعاهدة للسلام، فاحتكما إلى السيف، والتقى الفريقان عند "مرج دابق" بالقرب من حلب في (25 رجب 922 هـ الموافق 24 أغسطس 1516).



ملف:مسيرة السلطان سليم.jpg

معركة مرج دابق
جزء من النزاع العثماني المملوكي (1516–1517)

صورة معبرة عن معركة مرج دابق


معلومات عامة
التاريخ24 أغسطس 1516
الموقعدابق، سوريا
36°32′33″N 37°16′22″E   تعديل قيمة خاصية الإحداثيات (P625) في ويكي بيانات
النتيجةانتصار العثمانيين
المتحاربون
Fictitious Ottoman flag 2.svg الدولة العثمانية
Mameluke Flag.svg المتمردون المماليك
Mameluke Flag.svg المماليك
القادة
Fictitious Ottoman flag 2.svg سليم الأول
Fictitious Ottoman flag 2.svg سنان باشا الخادم
Fictitious Ottoman flag 2.svg يونس باشا
Fictitious Ottoman flag 2.svg بيري محمد باشا
Mameluke Flag.svg خاير بك
Mameluke Flag.svg قنصوه الغوري  
Mameluke Flag.svg جنبيردي الغزالي
القوة
000 65 مقاتل
50 مدفع
000 80 مقاتل
الخسائر
000 13 قتيل أو جريح000 72 قتيل أو جريح





قبل المعركة

كانت العلاقة بين الدولتين العثمانية والمماليك في بداية الأمر علاقة مودة وتحالف ويظهر ذلك في اشتراك الاسطولين المملوكي والعثماني في حرب البرتغاليين، وبدأت الخلافات تطفو على السطح مع بدء المواجهة بين السلطان سليم والشاه إسماعيل الصفوي سلطان فارس، حيث سعى كل منهم للتحالف مع المماليك لمواجهة الطرف الآخر. وأرسلت كل منهم السفارة تلو السفارة للسلطان قانصوه الغوري طالبين منه التحالف، فأما الشاه إسماعيل فقد حذر قانصوه من خطورة سليم الاول على ملكه وبين له أن عدم تحالفهم سيمكن السلطان سليم من الاستفراد بالواحد تلو الآخر والقضاء عليه خصوصاً مع توقيعه للهدنة مع الأوروبيين، بينما حث السلطان سليم السلطان قانصوه على التحالف ضد أعداء الدين من المرتدين الشيعة محذراً إياه من طموح الصفويين نحو حلب والشام، ولما لم يلق استجابة من قانصوه لجأ إلى تحذيره من مستقبل الصفويين كتهديد مبطن له. وعند مسيرة السلطان سليم نحو بلاد فارس راسل علاء الدولة أمير سلالة ذاالقدر التركمانية طالباً منه مساعدته في حرب الصفويين فاعتذر منه علاء الدولة متعللاً بكبر سنه ووقوعه تحت حماية المماليك لكن بعد انصراف الجيش العثماني هاجمت قوات علاء الدولة مؤخرة الجيش العثماني (اختلف المؤرخون حول وقع ذلك بأمر من قانصوه أم لا) على أن قانصوه ارسل رسالة شكر لعلاء الدولة يطالبه فيها بالاستمرار في مناوشة السلطان سليم. رد السلطان سليم على ذلك بكتاب أرسله للسلطان قانصوه يعلمه فيها بفعلة علاء الدولة فرد عليه السلطان قانصوه بأن علاء الدولة عاص. من حينها تربص السلطان سليم بالسلطنة المملوكية وأيقن الناس أن كلاهما يضمر للآخر شراً. حاول قانصوه تهدئة الامر بينه وبين السلطان سليم بعد انتصاره الحاسم في معركة جالديران فعرض عليه التوسط في الصلح بينه وبين الشاه إسماعيل إلا أن السلطان سليم أغلظ معاملة الرسل ووبخهم. جمع السلطان سليم وزرائه وقادة جيشه وذكرهم بفعلة علاء الدولة الخاضع للمماليك ورفض المماليك التعاون معهم في حرب الصفويين لذلك استقر رأيه على إعلان الحرب على المماليك على أن يرسل رسالة إلى السلطان قانصوه يعرض عليه الدخول في طوع السلطان سليم، وكان الغرض من الرسالة جر قانصوه الغوري إلى الحرب. ارتكب حينها السلطان قانصوه غلطة سياسية كبيرة بأن أغلظ معاملة الوفد وأهانهم انتقاماً منه لما حدث مع وفده سابقاً بدلاً من أن يحاول إصلاح العلاقة بينه وبين سليم. وخرج السلطان قانصوه بجيش كبير من مصر لتفقد قواته الموجودة في سوريا وليكون على استعداد لأي تحرك عثماني بينما خرج السلطان سليم على رأس جيشه من إسطنبول قاصداً بلاد الشام. بعد أن علم قانصوه بخروج سليم لملاقاته، ارسل رساله الي جان بردي الغزالي والى حمص ان يجمع قواته ومعه امراء الشوف ولبنان ويوافيه عند سهل مرج دابقفاستجاب له وتجمع بقواته هناك، كما تجمع لديه جيش من دمشق بقيادة سيباي . والي حلب خاير بك كان على اتصال بالعثمانيين واقنعوه بخيانة قنصوة على وعد بحكم مصر , وعلى الرغم من تلقى قنصوة التحذير مرتين من خيانة خاير بك (أحد التحذيرات كان من الامير سيباي حاكم دمشق شخصياً) إلا أنه (واحتكاماً لرأي جان بردي الغزالي صديق خاير بك القديم) قد رفض عقابه حتى لا يشتت قلوب الأمراء قبل المعركة .

القوى

  • العثمانيين : خرج العثمانيون بجيش ضخم يضم 125 الف مقاتل على وجه التقريب ومعهم 300 مدفعاً وعدد كبير من حملة القربينات (بنادق بدائية) وترك سليم ابنَه سليمان نائباً عنه في إسطنبول
  • المماليك :عدد قوات المماليك غير محددة وان كانت تقدر بخمسة الاف مقاتل من مصر بالإضافة لجيوش إمارات الشام (من 10 إلى 20 الف على أقصى تقدير) . وترك قنصوة ابن اخيه طومان باى نائبا له على مصر.

أحداث المعركة

اصطف الجيشان وبدأت المناوشات بينهما وما لبث ان قام فرسان المماليك بهجوم خاطف على الجنود العثمانية فزلزلوهم واضطربت صفوفهم , حيث هاجم رماة السهام من فرسان المماليك حملة البيارق من العثمانيين ثم التفوا لمهاجمة حملة البنادق الموسكيت والقربينات ,واستبسل الجنود المماليك واظهروا الشجاعة حتى فكر سليم الأول في تجديد الهدنة بعد الخسائر الفادحة التي نزلت بجيشه.إلا أن ضربات المدفعية القوية قد أذهبت هجمات المماليك أدراج الرياح . كان قنصوة الغورى يقود الجيش من على فرسه حينما انحاز فجأة خائر بك والي حلب وقائد الميسرة للعثمانيين , ولم يكتف بذلك بل إدعى أن السلطان قنصوة الغوري قد قتل . فاهتز المماليك بعد انكشاف صفوفهم وقله عددهم وانهيار معنوياتهم بعد إشاعة مقتل السلطان وانتهاء هجمات المماليك الجلبان إلى لا شئ . وكثف العثمانيون من قصفهم للمماليك بالمدافع التي لم يهتم بها المماليك مثل العثمانيين. فزادت الخسائر في صفوف المماليك وبدء الجنود في التخاذل والهرب. فانفك الجيش وانتصر العثمانيون وقَتلوا أعداداً كبيرة من الجنود المماليك وقتل قنصوه الغوري أثناء انسحابه, ولم يعثر للسلطان قنصوة على جثة وقيل أن أحد ضباطه قام بقطع رأسه ودفنها حتى لا يتعرف عليها العثمانيين فيتشفون فيها .

نتائج المعركة

فتح الانتصار للعثمانيين في هذه المعركة الباب لدخول دمشق فدخلها سليم الأول بسهولة. وبدأ بالتجهيز لغزو مصر والقضاء على الدولة المملوكية بعد أن أحكم سيطرته على الشام. وفى مصر قام المماليك بتنصيب طومان باي سلطاناً وبدءوا في التجهيز لصد العثمانيين. إلّا أن تكاسلهم وتقاعسهم وخيانة بعضهم كان كفيلاً بسقوط الدولة وهزيمتهم في معركة الريدانية ومن ثم استيلاء العثمانيين على مصر.